التقارب السوري التركي وأحلام “قسد”
لم تكن تنتظر ميليشيا “قسد” لتودع عام 2022 على وقع لقاء وزراء دفاع سورية وتركيا برعاية روسية بعد جولات لرؤساء الأجهزة الأمنية كما بات معروفاً، فقد توهمت الميليشيا لدرجة أعمت الأوهام بصر وبصيرة قادتها وباتت تضع الشروط على الحوار مع الدولة السورية التي أعلنت أكثر من مرة أن الوطن يتسع للجميع، لكن تحت رايته وسيادته.
لا شك أن الاجتماع تناول بشكل رئيسي التعاون في محاربة الإرهاب في سورية، وعندما يكون هذا العنوان موجوداً على طاولة البحث السورية – التركية فهو يعني بالنسبة للدولة السورية بشكل رئيسي التنظيمات الإرهابية المنتشرة في محافظة إدلب وشمال غرب حلب برعاية تركية، وهو يعني من جهة ثانية إنهاء سيطرة ميليشيا “قسد” على الجزيرة السورية بدعم من الاحتلال الأمريكي والتي تتذرع بها أنقرة لشن عدوانها على المناطق الحدودية شمال البلاد.
حالة القلق والتوتر في صفوف “قسد” بعد اجتماع وزراء دفاع سورية وروسيا وتركيا في موسكو ظهرت مباشرة وعكسها الطلب “الساذج” الذي توجهت به إلى موسكو ودمشق مطالبة في بيان رسمي من روسيا الاتحادية والحكومة السورية “كشف فحوى اللقاءات الأمنية التي جرت في موسكو بين وزراء الدفاع السوري والتركي والروسي”.
البيان الساذج حمل في طياته “تهديد طفولي” بتخريب الأمن والاستقرار معتبراً أن “خطوة التقارب هذه ستدفع المنطقة إلى فوضى شاملة وتعيد الصراع إلى المربع الأول”.
لقد أبدت الدولة السورية انفتاحاً كبيراً على الميليشيا وإيجاد حل للوضع الشاذ الذي أوجده الاحتلال الأمريكي في منطقة الجزيرة السورية عبر سيطرة الميلشيا على سلة الغذاء السورية ومصدر الطاقة فيها من نفط وغاز، وتجاوزت دمشق على انخراط الميليشيا في مؤامرة الحصار الغربية الأمريكية وتجويع السوريين والمشاركة في ضرب الاقتصاد السوري الذي واجه على مدى سنوات تحديات كبيرة انعكست ألماً وظلماً للسوريين جميعاً.
لكن الوقت حان لتختار “قسد” على أي ضفة تقف وأي موقع تختار، فلم يعد بالإمكان السكوت عما تتسبب به لسورية دولة وشعباً سواء على مستوى التسبب بعدوان تركي على مناطق انتشارها، أو استمرارها في حصار السوريين وسرقة قمحهم ونفطهم وغازهم. والوقت يمضي وربما أبواب دمشق مازالت مفتوحة لعودتها وتسليم مناطق سيطرتها للجيش العربي السوري لضبط أمن الحدود ومنع حصول عدوان تركي على تلك المناطق.
بلا شك إن التقارب السوري التركي أو أي اتفاق سوري تركي وهو يبدو على الطريق، سيؤدي إلى إنهاء الوجود الإرهابي في إدلب وشمال غرب حلب، ولن يكون هذا الاتفاق ممكناً باستمرار الوضع الشاذ في الجزيرة السورية وخروجها عن قرار القيادة السورية المنوط بها حماية البلاد وضبط علاقاتها مع دول الجوار وفق ما يحقق السيادة السورية ومصالح الشعب السوري من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال.
تعلم “قسد” أن الدول الثلاث سورية وروسيا وتركيا ومعهم إيران ترفض المشروع الانفصالي الذي يدعمه مرحلياً المحتل الأمريكي، لكن الميليشيا تدرك حتماً أن واشنطن “الخوّانة” سوف تخون تعهداتها لـ “قسد” مثلما فعلت في معظم ارتباطاتها مع أدواتها في العالم على مدى عقود.
وقد تحدث زعيمها مظلوم عبدي سابقاً أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب خانت “قسد” بعدم وقوفها ضد العدوان التركي نهاية 2019، وهو يخشى اليوم أن يكرر الرئيس جو بايدن التجربة ويضحي بالميليشيا لمصلحة أنقرة.
الخشية التي عبر عنها عبدي أعتقد أنها يقين، لكنه رغم ذلك يصر على الاستمرار في الأوهام ورفض خيار الحقيقة والعودة لجسد الدولة السورية لأنه جزء منها ولن تكتب له الحياة بعيداً عنها.
اليوم وضعت الخلافات السورية التركية على سكة الحل ولا شك أن قطار الحل سوف يحمل معه من يؤمن بهذا الحل ويتبناه ولكنه في نفس الوقت سوف يدهس من يقف في وجهه أياً يكن مجموعات إرهابية أم ميليشيات أم قوات احتلال، ومن يتعظ اليوم يحفظ ماء وجهه.
فالنظام التركي لا يملك اليوم ترف الحوار من أجل الحوار، بل هو في أمس الحاجة للوصول إلى نتائج تخدمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهو لو استطاع الوصول إلى دمشق زحفاً بالإرهاب لما توقف، لكن فشله في ذلك نتيجة صمود الجيش العربي السوري والشعب السوري، وحاجته للبقاء في السلطة دفعته للحوار مع دمشق.
بالمقابل فإن الدولة السورية لن تتوانى عن فتح الأبواب لإنهاء الحرب والقضاء على الإرهاب وإنهاء الاحتلال بكافة أشكاله وتحصيل حقوق الشعب السوري واستعادة أمنه واستقراره.
عبد الحيم أحمد – سونا نيوز
اقرأ أيضاً:
وزير الخارجية التركي: محادثاتنا مع سوريا مستمرة
في أول لقاء رسمي منذ عام 2011.. اجتماع ثلاثي لوزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا