عاد الهدوء الحذر ليسيطر على مناطق ريف حلب الشمالي خلال ساعات اليوم، بموجب الهدنة المؤقتة التي فرضتها القوات التركية ليل أمس على طرفي الصراع الرئيسيين، “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة)، وفصائل “الفيلق الثالث” التابع لما يسمى بـ “الجيش الوطني” بزعامة “الجبهة الشامية”.
فبعد نقضها الاتفاق الذي كانت أبرمته مع “الفيلق الثالث” (الجبهة الشامية)، شنّت “جبهة النصرة” والفصائل المتحالفة معها، هجوماً عنيفاً مساء أمس باتجاه قرية “كفر جنة” بريف عفرين الشرقي، التي تعتبر من أهم المواقع التابعة لـ “الشامية” شمال غرب حلب، وتمكنت من اقتحام القرية والسيطرة عليها مع التلال الحاكمة المجاورة لها، بعد معارك دامية دارت على طول المحور الممتد من القرية إلى مدينة عفرين.
وتخلل الاشتباكات العنيفة التي دارت بمحيط “كفر جنة”، تبادل كثيف وعشوائي للقذائف والصواريخ بين الطرفين، حيث سقط عدد كبير من القذائف ضمن تجمعات سكانية في محيط القرية، إضافة إلى قذيفتين سقطتا داخل قاعدة “كفر جنة” العسكرية التركية، ما تسبب بإصابة عدد من الجنود الأتراك، واستدعى إرسال مروحيات تابعة للجيش التركي إلى القاعدة، لنقلهم نحو الأراضي التركية.
كما سُجل وقوع أكثر من عشرة مدنيين بين ضحايا ومصابين، جراء القذائف العشوائية التي سقطت في “كفر جنة” والتجمعات السكانية المجاورة لها، فيما رصدت مصادر “سونا نيوز” حركة نزوح جماعية لأعداد كبيرة من سكان مناطق ريف عفرين الشرقي نحو المعابر الحدودية مع تركيا في أقصى شمال منطقتي عفرين وأعزاز، تحت وطأة الاشتباكات والقصف العنيف بين أطراف الصراع.
أما حول حصيلة خسائر المسلحين، فأكدت مصادر “سونا نيوز” مقتل وإصابة ما يزيد عن /50/ مسلحاً من كلا طرفي الصراع، إلى جانب تدمير نحو /20/ آلية عسكرية تابعة لهما، في حين أكدت المصادر وجود متزعم فصيل “جيش الإسلام” المدعو “عصام البويضاني” على لائحة المصابين الذين تم نقلهم إلى مشفى أعزاز لتلقي العلاج.
ومع احتلال “النصرة” لـ “كفر جنة” واقترابها بشكل أكبر من منطقة أعزاز، تدخلت القوات التركية عبر عدد من ضباطها رفيعي المستوى، والذين وصلوا إلى قاعدة “المشفى الوطني” في محيط مدينة أعزاز، وعقدوا اجتماعاً موسعاً مع قياديي “النصرة” و”الفيلق الثالث”، حيث تخلل الاجتماع فرض الجانب التركي هدنة مؤقتة واتفاقاً أولياً بين الجانبين، يقضي بسحب الأولى قواتها من المناطق التي سيطرت عليها خلال اشتباكات الأمس، وتسليمها لتجمع ما يسمى بـ “هيئة ثائرون للتحرير” التابعة لـ “الجيش الوطني”، مع احتفاظها بعدد من الحواجز العسكرية.
وعلى مدار ساعات اليوم، تحدثت مصادر “سونا نيوز” عن بدء “النصرة” بتطبيق الأوامر التركية التي تم الاتفاق عليها، حيث عملت على سحب معظم مسلحيها من “كفر جنة” و”مريمين” و”أناب” نحو مدينة عفرين، تزامناً مع دخول فصائل “هيئة ثائرون” بقيادة “لواء السلطان مراد” إلى تلك المناطق، وبدئهم بالانتشار ضمنها، في حين احتفظت “النصرة” بعدد من حواجزها العسكرية قرب المداخل الرئيسية لـ “كفر جنة”.
وفي ظل الهدوء السائد راهناً، يدور الحديث حول مدى التزام أطراف الصراع بما جاء في مخرجات اجتماع الأمس، وخاصة من قبل “هيئة تحرير الشام” الطامعة إلى مزيد من التوسع في الجهة الغربية من ريف حلب الشمالي بغية ضمها إلى مناطق نفوذها بريفي إدلب وحلب الغربي، وبالتالي السيطرة على مزيد من المعابر الحدودية مع الجانب التركي.
يذكر أن نقض الاتفاق السابق الذي كان أبرم قبل ثلاثة أيام بين أطراف الصراع، جاء من جهة “تحرير الشام” التي تذرعت بعدم التزام “الفيلق الثالث” بتطبيق أحد بنود الاتفاق، لناحية إفساح المجال أمام مسلحيها للدخول إلى مناطق أعزاز والباب وجرابلس، وإشراكهم في إدارة العمليات الأمنية هناك، حيث اتهمت “الفيلق” بتأجيج أهالي مدينة أعزاز وإجبارهم على الخروج في مظاهرات احتجاجية مناهضة لها، وبالتالي عرقلة دخول مسلحيها إلى المدينة والعبور منها إلى باقي مناطق الشمال.
حلب – زاهر طحان