ما تزال الأوضاع المعيشية السيئة ضمن المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية في أرياف حلب، تفرض نفسها على الأهالي، في ظل الممارسات القمعية المسيئة التي ترتكبها المجموعات المسلحة، سواء منها “هيئة تحرير الشام” النصرة غرباً، أو “فصائل أنقرة” المنتشرة في الريف الشمالي.
والحال أن تلك الأوضاع والممارسات، وصلت إلى حدٍ بات يفوق قدرة التحمل لدى الأهالي، وأصبحت تدفع بهم إلى انتهاج طرق لم تكن بالحسبان، في مقدمتها الإقدام على إنهاء حياتهم، بهدف التخلص من معاناتهم وشقائهم.
فبعد سلسلة من حالات الانتحار التي كانت رصدتها مصادر محلية في ريف حلب الشمالي “سونا نيوز”، عادت تلك الظاهرة لتعصف مجدداً خلال الساعات الأربعة وعشرين الماضية، عبر تسجيل حالتي انتحار جديدتين، إحداهما في قرية “إبين سمعان” الخاضعة لسيطرة “النصرة” بريف حلب الغربي، والأخرى تم رصدها في مدينة أعزاز” التي تسيطر عليها فصائل ما يسمى بـ “الجيش الوطني” المدعوم تركياً شمالاً.
وعلى حين لف الغموض أسباب حادثة الانتحار الأولى التي أقدم عليها الشاب “زكريا. م” الذي فارق الحياة إثر رمي نفسه من شرفة منزله الذي يقطنه بمدينة أعزاز، تمكنت مصادر محلية من كشف ملابسات حادثة الانتحار الثانية التي نفذها رجل خمسيني يدعى “ربيع. د” في قرية “إبين” الخاضعة لسيطرة “النصرة” غرب حلب.
ووفق ما أوضحته المصادر لـ “سونا نيوز”، فإن “ربيع. د” الملقب بـ “أبو رجب”، كان يعاني من ضغوط نفسية شديدة في الآونة الأخيرة، نتيجة ممارسات مسلحي “النصرة” وخاصة فيما يتعلق بالضرائب الباهظة التي فرضوها على أرضه الزراعية الواقعة بمحيط القرية، ما تسبب بضيق كبيرة على صعيد معيشته وعائلته.
وتفاقمت مشاكل “أبو رجب” قبل عدة أيام، إثر تفاقم ممارسات مسلحي “النصرة” بحقه، ووصول تلك الممارسات إلى حد اقتحام أرضه، ومصادرة ألواح الطاقة الشمسية التي كان استدان ثمنها من أقاربه وأصدقائه، بهدف تأمين الكهرباء اللازمة لتشغيل مضخات المياه في أرضه، ونقل تلك الألواح إلى مستودعات تابعة لـ “النصرة” دون أي وجه حق.
وفي ظل عجزه عن تحصيل حقه واستعادة الألواح رغم كل الجهود التي بذلها سواء عبر تقديم الشكاوى لقيادات “النصرة” أو من خلال اللجوء إلى ما يسمى بـ “الهيئات الشرعية” التابعة لها، وصل “أبو رجب” إلى حالة من فقدان التوازن العقلي، وبات يتصرف بشكل غير طبيعي خلال اليومين الماضيين، وفق ما أفادت به المصادر لـ “سونا نيوز”.
وفي ظل الحالة التي وصل إليها، بادر “أبو رجب” صباح اليوم إلى اتخاذ خطوة لم تكن في حسبان أي من أفراد عائلته أو معارفه، كونه كان يُعرف سابقاً باتزانه ورجاحة عقله، فعمد إلى إنهاء حياته على مرأى من أهالي القرية، عبر إطلاق رصاصة على رأسه من مسدس حربي كان بحوزته، ليفارق الحياة في إثرها على الفور.
وأثارت حادثة انتحار “أبو رجب” حالة من الغليان والغضب الشعبي خلال الساعات الماضية بين أهالي قرية “إبين سمعان”، وخاصة أن معاناته تمثل معاناة معظم القاطنين في القرية بشكل خاص، وضمن مناطق سيطرة “النصرة” بشكل عام، إلا أن حالة الغليان الشعبي اقتصرت على أحاديث الاستنكار والتنديد بشكل سري بين أبناء القرية، خوفاً من إثارة غضب ونقمة المسلحين عليهم.
ويعاني المدنيون القاطنون في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية في أرياف حلب، من ممارسات قمعية وتعسفية من قبل المجموعات المسلحة “النصرة” و”الجيش الوطني”، وخاصة لناحية الضرائب وانعدام الأمن وعمليات الخطف والابتزاز المستمرة، الأمر الذي يدفع بالعديد من الأهالي إلى حد إنهاء حياتهم، حيث كانت رصدت مصادر “سونا نيوز” في وقت سابق، تسجيل /6/ حالات انتحار منذ مطلع العام الجاري، قبل أن ترتفع الحصيلة مع الحادثتين الأخيرتين إلى /8/ حالات، موزعة بين مناطق شمال وغرب حلب.