لم يعد خافياً على أحد حرج الموقف وصعوبة الظرف الذي تعيشه ميليشيا “قسد” في المناطق التي تسيطر عليها في شمال وشرق سوريا، فالتهديدات التركية بشن هجمات عسكرية على مناطقها، والاحتجاجات الشعبية التي تواجهها من قبل الأهالي، والأزمات التي تعانيها في معظم المناطق التي تسيطر عليها والتي فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة شؤون الحياة فيها، جعلتها في حالة من التخبط الواضح، ليظهر مستجد آخر ربما يكون “قشة تقصم ظهر” الميليشيا التي يرتبط وجودها ارتباطا تاما بالمحتل الأمريكي الذي يعرف كل من قرأ التاريخ أن لا عهد ولا ميثاق له، وتحالفاته مرتبطة بمصالحه دوما.
حالة العصيان التي شهدتها بلدة الجنينة بريف دير الزور الغربي والتي نفذتها مجموعة من مسلحي ” قسد” والتابعين لمجموعة “الزعيم” التي يترأسها المدعو أحمد عباس الجفال على خلفية اعتقال متزعم مجموعتهم، ربما شكلت بداية للمزيد من حالات التمرد على الميليشيا.
لا سيما وأن هذه الحادثة سبقتها حادثة جرت قبل أيام حينما قامت مجموعة من منتسبي “قسد” تضم نحو 27 شاباً من أبناء العشائر بالاعتداء على القيادي الكردي في الميليشيا المدعو “خليل لقمان” ضمن معسكر التجنيد الإجباري الذي أقامته “قسد” في حقل العمر النفطي والذين تم اعتقالهم واقتيادهم الى سجون الميليشيا سيئة الصيت في الشدادي.
إضافة الى ارتفاع وتيرة الهجمات التي تستهدف عناصر ومقرات الميليشيا وغيرها من الاحداث، يعد مؤشرا إلى أن ولاء هؤلاء الشبان ليس مطلقاً أو حقيقيا لميليشيا “قـسد”، ويؤكد أن “قسد” لا تمتلك أية سيطرة حتى على عناصرها الذين انضموا إلى صفوفها طواعية، فكيف الحال بمن تقوم بتجنيدهم قسرا.
مصادر من أبناء المنطقة أكدوا لـ “سونا نيوز” أن معظم المنضمين إلى صفوف “قسد” كان انضمامهم لدوافع واغراءات تتعلق بأمور كثيرة ليس من بينها القناعة بمشروع “قسد” أو الانتماء اليها، ويأتي على رأس هذه الدوافع إغراء المال، حيث تدفع الميليشيا رواتب عالية قياسا لمستوى الدخل للمنضمين إلى صفوفها تصل الى حوالي 300 الف ليرة شهريا، كما ان هناك فئات أخرى يتم استقطابها من خلال تقديم المخدرات لمن يتعاطاها مع الإشارة الى ان ميليشيا “قسد” عملت منذ سيطرتها على المنطقة على نشر ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب وبشكل كبير وعلني.
ومن بين الاغراءات التي جذبت المراهقين والشبان للانضمام إلى “قسد” الظهور بمظهر المسلح أو صاحب السلطة التي تجذب الشبان في مقتبل العمر للمباهاة بها بين اقرانه، حيث تقوم “قسد” بتسليح منتسبيها وتسليطهم على أبناء منطقتهم وإطلاق يدهم لفعل كل ما هو قبيح.
وربما كان انضمام أعداد ليست بالقليلة إلى صفوف الميليشيا عائد الى البطالة السائدة في المنطقة في ظل انقطاع معظم الشبان عن التعليم وانخفاض مردود العمل الزراعي جراء الإجراءات التي تمارسها “قسد ” بحق المزارعين والمحاصيل وضعف الحركة التجارية وفرض ضرائب كثيرة وعالية ومنع العديد من المهن والأنشطة التجارية بهدف احتكارها من قبل قيادات “قسد” ونهب الخيرات والثروات.
وبلا شك أن العصيان الذي حصل اليوم في بلدة الجنينة سيلقى ردا من قبل قيادات ميليشيا “قـسد” التي أثبتت الوقائع السابقة أنها تتعاطى مع الأحداث بحماقة كبيرة ولاسيما حينما تكون في موقف حرج كالذي تمر به اليوم، فشكل الرد الذي سيصدر عنهم على الأغلب سيتمثل بعمليات دهم واعتقال لمن قاموا بالعصيان وارتكاب ممارسات انتقامية بحق الأهالي الذين يقفون على صفيح ساخن بعد أن ضاقوا ذرعا من تصرفات “قـسد”.
ويبدو من خلال قراءة مشهد الواقع بأن هذا العصيان سيكون نقطة بداية للمزيد من الأحداث المشابهة في كافة مناطق سيطرة الميليشيا التي بات عليها أن تقتنع أن لا مقام لها على أرض يرفضهم أهلها رفضا مطلقاً وقريباً سيجدون أنفسهم بموقف أكثر حرجاً بعد أن يُسحب عنهم الغطاء الأمريكي.