ما بين سطور القمة
رسائل بالجملة، ومحطات ومواقف وقرارات متعددة وغنية، أفرزتها القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين التي عقدت في مدينة جدة بالأمس.
ولعل حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة، طغى سياسياً على جدول أعمالها، فكان هذا الحضور الشغل الشاغل لوسائل الإعلام العربية والدولية بعد غياب استمر أكثر من اثني عشر عاماً.
كتاب ومحللون وصحفيون عرب ودوليون أجمعوا أن حضور الرئيس الأسد للقمة، هو العلامة الفارقة فيها، بل محورها ومحرك مشاعر العرب من المحيط إلى الخليج لمتابعة مجرياتها لحظة بلحظة.
المملكة العربية السعودية وضعت من خلال هذه القمة، المسمار الأخير في نعش مخطط الإخوان المسلمين في سوريا والمنطقة العربية عموما، وقامت بترميم البيت العربي، فكان لدعوتها للرئيس الأسد للمشاركة بالقمة، رصاصة الرحمة لمخططات الإخوان ومشغليهم، حيث شكل ذلك رسالة القمة العربية التي وصفتها بعض وسائل الإعلام الدولية بأنها “رسالة من نار” ضد الغرب.
ولعل الرسائل السياسية للقمة لم تكن فقط مقتصرة على ما جرى داخل أروقة قاعة القمة بل سبقتها، رسائل التصالح المتعددة، في جنبات وعلى هامش القمة، فالمصافحات بين الرئيس الأسد وبعض القادة العرب تنم عن رسائل تصالحية وعودة على بدء في العمل العربي المشترك وطي صفحة الأعوام السابقة، فمصافحة الرئيس الأسد لأمير قطر الشيخ تميم كما ورد في وكالات الأنباء “تاريخية” لما كان لقطر من دور تآمري ضد سوريا منذ بدء الأزمة فيها.
كما أن مصافحة الرئيس الأسد ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، التي نقتلها وسائل الإعلام، تؤكد عودة الدم إلى عروق العلاقات السورية المصرية وهي حجر الرحى في العمل العربي المشترك إلى جانب العلاقات مع السعودية، التي كان للمصافحة الحارة بين الرئيس الأسد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبيل القمة العربية في جدة، وللقائهما المشترك بعد انتهاء أعمالها، العنوانان البارزان لهذه القمة، بل هما القمة بحد ذاتها وفق تعبير الصحافة السعودية، فالعلاقات السورية السعودية وعبر تاريخها كانت محرك السياسة العربية ومفتاحها ومركز الثقل فيها.
“منذ اثني عشر عاماً لم أتابع قمة عربية، ولكن قمة جدة تابعتها بشغف بكل تفاصيلها فالرئيس الأسد فيها” تصريح لفتاة تونسية عبر القناة الوطنية التونسية، يختصر رسالة حضور الرئيس السوري لهذه القمة، فلا قمة بلا سوريا ولا قمة عربية بلا الرئيس الأسد هكذا يرى الشارع العربي المشبع بالعروبة والوطنية.
“إعلان جدة” جاء على نسق التصالح العربي العربي، وكان مركزا على كل ما يجمع القادة العرب وهمومهم وتطلعاتهم ولعل الأبرز في هذا الإعلان، هو الترحيب الرسمي بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، والتمني في أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا ويحافظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، ليؤكد هذا البند في الإعلان أن لسوريا موقعا تاريخيا في قلب الوطن العربي ولها ثقلها السياسي الذي لا يمكن تجاوزه بالمطلق.
اللافت في إعلان جدة أيضا التركيز على مسألة “التنمية والمصالح العربية المشتركة والروح التصالحية بين القادة العرب والدعوة لتصفير المشاكل العربية إضافة الى البحث عن دور للأمة العربية في صياغة العالم الجديد، وكلها عناوين جديدة للقمم العربية تأخذ بالحسبان التطورات الدولية الجديدة.
وأتى تشديد إعلان قمة جدة على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة، بلسماً للجراح السورية خصوصا والدول العربية الأخرى التي تعاني من ويلات الحرب، وبمثابة رسالة إلى واشنطن ومن لف لفيفها، بأن دعمها لما يسمى قوات “قسد” لن يمنح تلك الميلشيات الانفصالية صكوك الشرعية وأن لا مستقبل لها.
وفي مواجهة “الليبرالية الحديثة” التي يحاول الغرب غزو المنطقة العربية من بوابتها كما ذكرها الرئيس الأسد في كلمته أمام القمة العربية عبر “إعلان جدة” بوضوح التزام القادة العرب بالقيم والثقافة العربية، والدعوة لعدم التدخل الغربي في شؤوننا الداخلية تحت أي ذريعة، مع التأكيد على احترامنا لقيم وثقافات الآخرين، واعتبار التنوع الثقافي إثراء لقيم التفاهم والعيش المشترك.
نجاح “قمة جدة” كما يجمع عليه قادة الرأي هو نجاح العرب وهو نجاح لمشروعهم التصالحي الذي بدأت معالمه تتضح رويدا رويدا، ولعل مشاركة الرئيس الأسد أعطى لهذه القمة الألق السياسي والزخم المطلوب للمضي قدما في مشروع العمل العربي المشترك الذي يطمح إليه الشارع العربي من المحيط الى الخليج.
اقرأ أيضاً: “قمة الرئيس الأسد” في جدة
اقرأ أيضاً: على طريق خلاص المنطقة