تستقطب المملكة العربية السعودية نجوم الأرض في موسم الرياض الترفيهي، بينما تتجه عيون أخرى من العالم ذاته إلى العروض الدموية في فلسطين، هي مفارقة المشهد بين أقدس بقعتين لدى المسلمين، بلاد الحرمين الشريفين الغارقة في صخب الموسيقى والعروض التمثيلية، وأولى القبلتين التي تنضح بدماء شعبها وتنزف مع صرخات أبناءها في غزة.
وإذ كان ولا بد من مشاهدة المصارعة أو أفلام “الأكشن” ليتعاطف المشاهد مع البطل في النهاية، أم حتى الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة، فإنه ما من داع لإنفاق ملايين الدولارات على ذلك، ما عليك سوى أن تدير التلفاز لتشاهد بأم عينيك البطش الإسرائيلي وتستمع إلى استغاثات الفلسطينيين وتعتبرها لحناً معزوفاً يستأهل التعاطف مع الأبطال الحقيقيين من تركة الألم، أولئك هم من أبناء الجلدة في القومية والدين.
والمفارقة الأخرى، هي دفع الملايين على تلك العروض وإغداق الرياضيين والمغنيين والممثلين بالأموال، في وقت لا تستطيع معه حكومة البلد نفسه وغيرها من الحكومات العربية وجامعتها، إدخال المعونات الإنسانية إلى القطاع، غير تلك الأكفان المرسلة، وكأن العالم رضي أو رضخ لقبول عروض الموت الفلسطيني، أو أن تلك الأمة ليست من ذات الجسد الذي إذا اشتَكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهرِ والحمى.
بعض الفنانين والمغنيين كانوا ألغوا أو أجلوا حفلاتهم تضامناً مع أهل القطاع، وخسر آخرون أجورهم الغالية لتأدية دور تمثيلي في عرض مسرحي، وذلك خلافاً لما أكدته إحدى المغنيات التي قالت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مبررة استمراها في الغناء والرقص على جثث الفلسطينيين، بأنه عندما يتوقف المهندسون وما شابه ذلك نتوقف نحن المغنون، فالحياة مستمرة على حد وصفها، متجاهلة موقف البعض الآخر من أبناء مهنتها، لأن الحياة توقفت هناك منذ السابع من تشرين الأول.
وإثر هذا، سبق لرئيس هيئة الترفيه “تركي آل الشيخ” أن رد على الانتقادات التي طالته بسبب عدم إلغاء فعاليات موسم الرياض، تضامناً مع قطاع غزة، معتبراً أنه “في سنة 1967، عندما احتُلت دول لم يتوقف أي شيء، وعند حرب لبنان لم يتوقف أي شيء وعندما حاربت بلاده 7 سنوات لم يتوقف فيها شيء، ودم السعودي أغلى لديه من أي شيء، وعندما يزايد التافهين “كما سمهم” عليه أن يوضح الحقيقة”، تصريحات سيخلدها التاريخ كما الموقف، وفي مثل هذه الحالات فإن السكوت “أضعف الإيمان” أفضل من أن تنبس الشفاه بتلك الكلمات على اعتبار أن موقف المملكة هو الأهم كونها الممثل الأول للإسلام والمسلمين.
ومساء أمس، اتجهت أنظار العالم إلى الحفل الأهم على المستوى الرياضي، إذ حمل اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي كرته الذهبية الثامنة، أما صباحاُ فحمل الآباء الفلسطينيون جثث أطفالهم في غفلة عن عيون العالم وكأنهم يتوجون بجائزة الموت الأسود بل القاسي لرحيل فلذات أكبادهم أمام أعينهم.
الموت الفلسطيني
أقرأ أيضاً:
وزيرا الدفاع في سوريا وايران .. العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة انتحار سياسي
الموت الفلسطيني المعلن.. أحد عشر يوماً ولم يتغير في الحرب على غزة سوى أعداد الشهداء