“هجرة الكفاءات”.. هل هي أحد أهداف الحرب على سوريا؟

“هجرة الكفاءات”.. هل هي أحد أهداف الحرب على سوريا؟

على مر التاريخ كانت الكفاءات السورية مرغوبة في أكثر بقاع العالم تطوراً، إذ شهدت هجرة العقول السورية في مراحل مختلفة من تطور المجتمع، هاجساً لدى الكثير من المفكرين والباحثين حول أهمية الحفاظ عليها، وإيقاف هجرتها لما لها من ضرر مجتمعي كبير على عملية البناء والتطور.

وخلال الحرب الإرهابية على سوريا شكلت هجرة العقول وتهجيرها أو استهدافها هدفاً مباشراً لمخططي الحرب على سوريا خلال أكثر من 12 عاما من عمر هذه الحرب، إذ استهدف الإرهاب الكثير من الكفاءات الوطنية السورية سواء التقنية منها أو حتى العسكرية، وهدفاً غير مباشر من خلال فرض العقوبات الاقتصادية والتضييق على حياة المواطنين ومعيشتهم اقتصادياً وتنموياً.

واليوم باتت هجرة الكفاءات إلى أوروبا عموما وخاصة ألمانيا عملية منظمة استفادت منها المجتمعات الأوروبية ورغبت بها وشجعتها في سياق تطور تلك المجتمعات على حساب عملية البناء في سوريا التي هي اليوم بأشد الحاجة لهذه الكفاءات وخصوصا مع بدء عملية إعادة الإعمار.

وخير دليل على عمق هذه المشكلة الكبيرة ما قاله رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا دان ستوينسكو، في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر مؤخراً عقب زيارته الى سوريا: ” في طريق عودتي من سوريا إلى بيروت، أشعر بحزن بالغ، فإن 9 من كل 10 سوريين شباب يريدون مغادرة البلاد، ولدى كل 5 منهم خطط ملموسة و4 منهم يتعلمون اللغة الألمانية، هؤلاء في الغالب أشخاص متعلمون لامعون ومن المؤسف أنهم لن يبقوا ليساعدوا وطنهم.

وأضاف ستوينسكو في تغريدته:” في دمشق، باتت معالجة الأسباب الجذرية للأزمة في سوريا وتبنّي موقف بنّاء بدلاً من التحدّي أكثر ضرورة الآن من أي وقت مضى”.

الحرب على سوريا واستنزاف مقدرات البلد في سياق مواجهة الإرهاب وداعميه، جعلت معادلة بقاء الكفاءات العملية محل تفكير، وزادت الرغبة في الهجرة بالنسبة لها، ومع اشتداد وطأة العقوبات الغربية والأمريكية على الشعب السوري والتي أصبحت أكثر مرارة على السوريين اليوم دفعت بالعديد من الكفاءات السورية إلى التفكير ملياً في فرص الهجرة المعروضة عليهم.

صحيفة محلية حذرت مؤخرا في سياق تقرير لها، من تحول البلاد إلى دولة “عجوز” نتيجة استمرار هجرة الكفاءات الشابة إلى خارج البلاد، وانخفاض نسبة فئة الشباب بعد أن كانت تتجاوز 60% من السكان، داعية إلى إيجاد حلول ناجعة للمشكلة، وقالت “إن الدول الأوروبية تتغنى اليوم بالكفاءات والخبرات السورية على أنها أفضل استثمار حصلت عليه خلال السنوات القليلة الماضية”، مشيرة في هذا الإطار إلى تجنيس 48 ألف سوري في ألمانيا خلال عام 2022.

إن “هجرة الكفاءات” هو أسوأ أنواع “التصدير” إن صح التعبير، كما وصفه العديد من المحللين الاقتصاديين، كونه يشكل خسارة كبرى للاقتصاد الوطني برمتها، وأشاروا إلى أن سوء إدارة الموارد البشرية هو أحد أسباب دفع الكوادر والكفاءات الشابة والخبيرة إلى الهجرة، حيث كشفت أحدث الإحصائيات الرقمية الأوروبية حول هجرة الكفاءات السورية أن حوالي %33 من المهاجرين السوريين إلى ألمانيا هم من ذوي التعليم الجامعي والعالي.

وأشارت الإحصائيات إلى أن تكلفة إعداد أي كفاءة بحسب الدراسة تحتاج إلى مليون دولار وعشرين سنة من الوقت، ما يعني حجماً كبيراً بالخسائر البشرية يصعب تعويضها وهي نزيف تنموي وبشري مستمر.

وتعد هجرة الكوادر البشرية السورية الكفوءة الخسارة الأكبر في سياق الحرب على سوريا، لأنها شكلت نزفا مركبا للاقتصاد الوطني يصعب تعويضه قريباً اضافة الى الوقت والمبالغ الهائلة التي نحتاج إليها لإعادة تأهيل كوادر جديدة.

وقدرت الأبحاث السكانية والاقتصادية أن الخسائر بنحو 40 مليار دولار منها 8 مليارات دولار خسائر اقتصادية مباشرة و7 مليارات دولار خسائر الدولة بسبب استنزاف طاقاتها المهاجرة مع تكلفة تأهيلها، فضلاً عن 25 مليار دولار تكلفة إعادة تأهيل مثل هذه الكوادر للمساهمة في عملية إعادة الإعمار.

ومن هنا تطرح الأوساط السورية سؤالاً مفاده كيف للدول الغربية التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان أن تحمل هذا الشعار فيما تشن الحروب تحت هذين العنوانين وتساهم في هجرة الشباب والكفاءات السورية وتواصل زعمها أن حربها على سوريا هدفه تأمين حقوق شعبها؟

السوريون سيعيدون بناء وطنهم مهما كانت التكلفة الاقتصادية، وكما كانت سوريا على الدوام ولادة لهذه الكفاءات، وفي كل المراحل العصيبة التي مرت بها البلاد عبر التاريخ، ستعود لتقف شامخة كطائر الفينيق الذي ينهض من جديد من تحت الرماد.

أديب رضوان – سونا نيوز

اقرأ أيضاً:

الكفاءات السورية